فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فمن المراد به المضي في الصلة: {الذين قال لهم الناس} ومن المراد به الاستقبال: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} ويظهر أيضًا أن اختصاص هذه الصلة بالماضي وتينك بالمضارع، أن تينك الصلتين قصد بهما الاستصحاب والالتباس دائمًا، وهذه الصلة قصد بها تقدمها على تينك الصلتين، وما عطف عليهما، لأنّ حصول تلك الصلات إنما هي مترتبة على حصول الصبر وتقدمه عليها، ولذلك لم تأت صلة في القرآن إلا بصيغة الماضي، إذ هو شرط في حصول التكاليف وإيقاعها والله أعلم.
وانتصب ابتغاء قيل: على أنه مصدر في موضع الحال، والأولى أن يكون مفعولًا لأجله أي: إنّ صبرهم هو لابتغاء وجه الله خالصًا، لا لرجاء أن يقال: ما أصبره، ولا مخافة أن يعاب بالجزع، أو تشمت به الأعداء، كما قال:
وتجلدي للشامتين أريهم ** أني لريب الدهر لا أتضعضع

ولأنّ الجزع لا طائل تحته، أو يعلم أنه لا مرد لما فات ولا لما وقع.
والظاهر في معنى الوجه هنا جهة الله أي: الجهة التي تقصد عنده تعالى بالحسنات لتقع عليها المثوبة، كما تقول: خرج زيد لوجه كذا.
ونبه على هاتين الخصلتين: العبادة البدنية، والعبادة المالية، إذ هما عمود الدين، والصبر عليهما أعظم صبر لتكرر الصلوات، ولتعلق النفوس بحب تحصيل المال.
ونبه على حالتي الإنفاق، فالسر أفضل حالات إنفاق التطوع كما جاء في «السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها» والعلانية أفضل حالات إنفاق الفروض، لأنّ الإظهار فيها أفضل.
وقال الزمخشري: مما رزقناهم من الحلال، لأنّ الحرام لا يكون رزقًا، ولا يسند إلى الله انتهى. وهذا على طريق المعتزلة. وللسلف هنا في الصبر أقوال متقاربة. قال ابن عباس: صبروا على أمر الله. وقال أبو عمران الجوني: صبروا على دينهم. وقال عطاء: صبروا على الرزايا والمصائب. وقال ابن زيد: صبروا على الطاعة وعن المعصية، ويدرؤون يدفعون. قال ابن زيد: الشر بالخير. وقال قتادة: ردوا عليهم معروفًا كقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام} وقال الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا.
وقال القتبي: إذا سفه عليهم حلموا، وقال ابن جبير: يدفعون المنكر بالمعروف.
وقال ابن كيسان: إذا أذنبوا تابوا، وإذا هربوا أنابوا ليدفعوا عن أنفسهم بالتوبة معرّة الذنب، وهذا المعنى قول ابن عباس في رواية الضحاك عنه. وقيل: يدفعون بلا إله إلا الله شركهم. وقيل: بالسلام غوائل الناس. وقيل: من رأوا منه مكروهًا بالتي هي أحسن. وقيل: بالصالح من العمل السيئ، ويؤيده ما روي في الحديث أن معاذًا قال: أوصني يا رسول الله فقال: «إذا عملت سيئة فاعمل إلى جنبها حسنة تمحها السر بالسرّ والعلانية بالعلانية» وقيل العذاب: بالصدقة. وقيل: إذا هموا بالسيئة فكروا ورجعوا عنها واستغفروا. وهذه الأقوال كلها على سبيل المجاز. وبالجملة لا يكافئون الشر بالشر كما قال الشاعر:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ** ومن إساءة أهل السوء إحسانًا

وهذا بخلاف خلق الجاهلية كما قال:
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه ** سريعًا وإن لا يبد بالظلم يظلم

وروي أنّ هذه الآية نزلت في الأنصار، ثم هي عامة بعد ذلك في كل من اتصف بهذه الصفات.
وعقبي الدار: عاقبة الدنيا، وهي الجنة، لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا وموضع أهلها.
وجنات عدن بدل من عقبى الدار، ويحتمل أن يراد عقبى دار الآخرة لدار الدنيا في العقبى الحسنة في الدار الآخرة هي لهم، ويحتمل أن كون جنات خبر ابتداء محذوف.
وقرأ الجمهور: جنات، والنخعي: جنة بالإفراد. وروي عن ابن كثير، وأبي عمرو: يدخلونها مبنيًا للمفعول. وقرأ ابن أبي عبلة: ومن صلح بضم اللام، والجمهور بفتحها، وهو أفصح. وقرأ عيسى الثقفي: وذريتهم بالتوحيد، والجمهور بالجمع. وقرأ ابن يعمر: فنعم بفتح النون وكسر العين وهي الأصل، كما قال الراجز:
نعم الساعون في اليوم الشطر

وقرأ ابن وثاب: فنعم بفتح النون وسكون العين، وتخفيف فعل لغة تميميمة، والجمهور نعم بكسر النون وسكون العين، وهي أكثر استعمالًا.
قال مجاهد وغيره: ومن صلح أي عمل صالحًا وآمن انتهى.
وهذا يدل على أن مجرد النسب من الصالح لا ينفع، إنما تنفع الأعمال الصالحة.
وقيل: يحتمل قوله: {ومن صلح} أي: لذلك بقدر الله تعالى وسابق علمه.
قال ابن عباس: هذا الصلاح هو الإيمان بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه بشارة بنعمة اجتماعهم مع قراباتهم في الجنة. والظاهر أنّ ومن معطوف على الضمير في يدخلونها وقد فصل بينهما بالمفعول. وقيل: يجوز أن يكون مفعولًا معه أي: يدخلونها مع من صلح.
ويشتمل قوله: {من آبائهم}، أبوي كل واحد والده ووالدته، وغلب الذكور على الإناث، فكأنه قيل: ومن صلح من آبائهم وأمهاتهم. والملائكة يدخلون عليهم من كل باب أي: بالتحف والهدايا من الله تعالى تكرمة لهم.
قال أبو بكر الورّاق: هذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنة، من عملها دخلها من أي باب شاء. قال الأصم: نحو هذا قال: من كل باب باب الصلاة، وباب الزكاة، وباب الصبر.
ولأبي عبد الله الرازي كلام عجيب في الملائكة ذكر: أن الملائكة طوائف منهم روحانيون، ومنهم كروبيون، فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة، فلكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي يحفظ لتلك الصفة مزيد اختصاص، فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السمائية ما يناسبها من الصفة المخصوصة، فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر، ومن ملائكة الشكر كمالات روحانية لا تتجلى إلا في مقام الشكر، وهكذا القول في جميع المراتب انتهى.
وهذا كلام فلسفي لا تفهمه العرب، ولا جاءت به الأنبياء، فهو كلام مطرح لا يلتفت إليه المسلمون. قال ابن عطية: وحكى الطبري رحمه الله في صفة دخول الملائكة أحاديث لم نطول بها لضعف أسانيدها انتهى.
وارتفع سلام على الابتداء، وعليكم الخبر، والجملة محكية بقول محذوف أي: يقولون سلام عليكم. والظاهر أن قوله تعالى: {سلام عليكم} تحية الملائكة لهم، ويكون قوله تعالى: {بما صبرتم}، خبر مبتدأ محذوف أي: هذا الثواب بسبب صبركم في الدنيا على المشاق، أو تكون الباء بمعنى بدل أي: بدل صبركم أي: بدل ما احتملتم من مشاق الصبر، هذه الملاذ والنعم.
وقيل: سلام جمع سلامة أي: إنما سلمكم الله تعالى من أهوال يوم القيامة بصبركم في الدنيا. وقال الزمخشري: ويجوز أن يتعلق بسلام أي: يسلم عليكم ويكرمكم بصبركم، والمخصوص بالمدح محذوف أي: فنعم عقبى الدار الجنة من جهنم، والدار: تحتمل الدنيا وتحتمل الآخرة.
وقالت فرقة: المعنى أن عقبوا الجنة من جهنم. قال ابن عطية: وهذا التأويل مبني على حديث ورد وهو: «أن كل رجل في الجنة قد كان له مقعد معروف في النار، فصرفه الله تعالى عنه إلى النعيم فيعرض عليه ويقال له: هذا مكان مقعدك، فبدّلك الله منه الجنة بإيمانك وطاعتك وصبرك» انتهى. ولما كان الصبر هو الذي نشأ عنه تلك الطاعات السابقة، ذكرت الملائكة أن النعيم السرمدي إنما هو حاصل بسبب الصبر، ولم يأت التركيب بالإيفاء بالعهد، ولا بغير ذلك. اهـ.

.قال الثعالبي:

قوله سبحانه: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى...}
المعنى: أسواءٌ مَنْ هداه اللَّه، فَعَلِمَ صدْقَ نبوَّتك، وآمن بك؛ كمن هو أعمَى البصيرةِ باقٍ على كُفْره؛ روي أنَّ هذه الآية نزلَتْ في حمزةَ بْنِ عَبْدِ المطَّلب، وأَبِي جَهْل، وهي بَعْدَ هذا مثَالٌ في جميع العالم،: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب}: «إِنما»؛ في هذه الآية: حاصرة، أي: إِنما يتذكَّر، فيؤمن ويراقب اللَّه مَنْ له لُبٌّ، ثم أخذ في وصفهم، فقال: {الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله...} الآية: قال الثعلبيُّ: قال عبد اللَّهِ بنُ المبارَكِ: هذه ثمانِ خِلاَلٍ مسيِّرةٌ إِلى ثمانيةِ أبوابِ الجنةِ، وقال أبو بَكْرٍ الوَرَّاقُ: هذه ثمانِ جُسُورٍ، فمن أراد القربة مِنَ اللَّه عَبَرَهَا. انتهى. وباقي الآية ألفاظها واضحَة، وأنوارها لِذَوِي البصائر لائحَةْ.
{وَيَدْرَءُونَ}: يدفعون.
قال الغَزَالِيُّ: لما ذَكَرَ هذه الآيةَ: والذي آثر غُرُورَ الدنيا على نعيمِ الآخرةِ، فَلَيْسَ من ذوي الأَلْبَابِ، ولذلك لا تَنْكَشِفُ له أَسْرارُ الكتاب، انتهى.
و{جنات}: بدل من: {عُقْبَى} وتفسيرٌ لها، و: {عَدْنٍ}: هي مدينةُ الجَنَّة ووَسَطُها، ومعناها: جنَّات الإِقامة؛ مِنْ عَدَنَ في المَكَانِ، إِذا أقام فيه طويلًا، ومنه المَعَادِنُ، و: {جنات عَدْنٍ}: يقال: هي مَسْكن الأنبياءِ والشُّهَداء والعُلَماء فَقَطْ؛ قاله عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي، ويروَى أَنَّ لها خَمْسَةَ آلافِ باب، وقوله: {وَمَن صَلَحَ}: أي: عمل صالحًا،: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سلام عَلَيْكُم}: أي: يقولون: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ، والمعنى: هذا بما صَبَرْتُم، وباقي الآية واضحٌ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ}
من القرآن الذي مُثّل بالماء المنزل من السماء والإبريز الخالصِ في المنفعة والجدوى: {الحق} الذي لا حق وراءه أو الحقُّ الذي أشير إليه بالأمثال المضروبة فيستجيبَ له: {كَمَنْ هُوَ أعمى} عمَى القلبِ لا يشاهده وهو نارٌ على علَمٍ ولا يقدر قدرَه وهو في أقصى مراتب العلوِّ والعِظَم فيبقى حائرًا في ظلمات الجهلِ وغياهبِ الضلال أو لا يتذكر بما ضرب من الأمثال أي كمن لا يعلم ذلك إلا أنه أريد زيادةُ تقبيحِ حالِه فعبر عنه بالأعمى، وإيرادُ الفاء بعد الهمزةِ لتوجيه الإنكار إلى ترتيب توهمِ المماثلةِ على ظهور حال كلَ منهما بما ضُرب من الأمثال وبين المصيرِ والمآل، كأنه قيل: أبعد ما بُين حالُ كل من الفريقين ومآلُهما يُتوهّم المماثلةُ بينهما ثم استؤنف فقيل: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} بما ذكر من المذكّرات فيقف على ما بينهما من التفاوت والتنائي: {أُوْلُو الألباب} أي العقولِ الخالصةِ المبرّأة من مشايعة الإلْفِ ومعارضةِ الوهم.
{الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} بما عقَدوا على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته تعالى حين قالوا: بلى، أو ما عهِد الله عليهم في كتبه: {وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق} ما وثّقوه على أنفسهم وقبِلوه من الإيمان بالله وغيرِه من المواثيق بينهم وبين الله وبين العبادِ وهو تعميمٌ بعد تخصيصٍ، وفيه تأكيدٌ للاستمرار المفهوم من صيغة المستقبل.
{والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ}
من الرحِم وموالاةِ المؤمنين والإيمانِ بجميع الأنبياء المجمعين على الحق من غير تفريقٍ بين أحد منهم، ويندرج فيه مراعاةُ جميعِ حقوقِ الناس في حقوق كل ما يتعلق بهم من الهرّ والدَّجاج: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} خشيةَ جلالٍ وهَيْبةٍ فلا يعصونه فيما أمر به: {وَيَخَافُونَ سوء الحِسَابِ} فيحاسبون أنفسَهم قبل أن يحاسَبوا، وفيه دَلالةٌ على كمال فظاعتِه حسبما ذكر فيما قبل.
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} على كل ما تكره النفسُ من الأفعال والتروك: {ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ} طلبًا لرضاه خاصة من غير أن ينظروا إلى جانب الخلقِ رياءً وسُمعةً ولا إلى جانب النفس زينةً وعُجْبًا، وحيث كان الصبرُ على الوجه المذكور مَلاكَ الأمرِ في كل ما ذكر من الصلاة السابقة واللاحقةِ أُورد على صيغة الماضي اعتناءً بشأنه ودِلالةً على وجوب تحققِه فإن ذلك مما لابد منه إما في أنفس الصلات كما فيما عدا الأولى والرابعةِ والخامسةِ أو في إظهار أحكامِها كما في الصلات الثلاثِ المذكورات فإنها وإن استغنت عن الصبر في أنفسها حيث لا مشقةَ على النفس في الاعتراف بالربوبية والخشيةِ والخوف لكن إظهارَ أحكامِها والجريَ على موجبها غيرُ خالٍ عن الاحتياج إليه: {وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ} المفروضة: {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أي بعضَه الذي يجب عليهم إنفاقُه: {سِرّا} لمن لم يُعرفْ بالمال أو لمن لا يتهم بترك الزكاةِ أو عند إنفاقِه وإعطائه مَنْ تمنعه المروءةُ من أخذه ظاهرًا: {وَعَلاَنِيَةً} لمن لم يكن كما ذكر أو الأول في التطوع والثاني في الفرض.
{وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة} أي يُجازون الإساءةَ بالإحسان أو يُتْبعون الحسنةَ السيئة فتمحوها. عن ابن عباس رضي الله عنهما: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سييء غيرِهم. وعن الحسن: إذا حُرموا أعطَوا وإذا ظُلموا عفَوا وإذا قُطعوا وصلوا. وعن ابن كيسان: إذا أذنبوا تابوا. وقيل: إذا رأوا منكرًا أمروا بتغييره. وتقديمُ المجرور على المنصوب لإظهار كمالِ العنايةِ بالحسنة: {أولئك} المنعوتون بالنعوت الجليلةِ والملكات الجميلةِ وهو مبتدأٌ خبُره الجملةُ الظرفية أعني قوله تعالى: {لَهُمْ عقبى الدار} أي عاقبةُ الدنيا وما ينبغي أن يكون مآلُ أمرِ أهلها وهي الجنة، وقيل: الجارُ والمجرور خبرٌ لأولئك و{عقبى الدار} فاعل الاستقرار وأيًا ما كان فليس فيه قصرٌ حتى يرِد أن بعضَ ما في حيز الصلةِ ليس من العزائم التي يُخلّ إخلالُها بالموصول إلى حسن العاقبة، والجملةُ خبرٌ للموصولات المتعاطفةِ، صفاتٌ لأولي الألباب عن طريقة المدحِ من غير أن يُقصد أن يكون للصلات المذكورة مدخلٌ في التذكر.
{جنات عَدْنٍ} بدلٌ من عُقبى الدار أو مبتدأٌ خبرُه: {يَدْخُلُونَهَا} والعدْنُ الإقامةُ ثم صار علمًا لجنة من الجنات أي جناتٌ يقيمون فيها، وقيل: هو بُطنانُ الجنة: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ} جمعُ أبَوَيْ كل واحد منهم فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم: {وأزواجهم وذرياتهم} وهو عطفٌ على المرفوع في يدخلون، وإنما ساغ ذلك للفصل بالضمير الآخر، أو مفعولٌ معه، والمعنى إنه يُلحق بهم مَنْ صلح من أهلهم وإن لم يبلُغْ مبلغَ فضلِهم تبعًا لهم تعظيمًا لشأنهم، وهو دليلٌ على أنه الدرجةَ تعلو بالشفاعة وأن الموصوفَ بتلك الصفات يُقرن بعضُهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنةِ زيادةً في أُنسهم، وفي التقييد بالصلاح قطعٌ للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} من أبواب المنازل أو من أبواب الفتوحِ والتحف قائلين: {سلام عَلَيْكُم} بشارةٌ لهم بدوام السلامة: {بِمَا صَبَرْتُمْ} متعلق بعليكم أو بمحذوف أي هذه الكرامةُ العظمى بما صبرتم أي بسبب صبركم أو بدلُ ما احتملتم من مشاقّ الصبرِ ومتاعبِه، والمعنى لئن تعِبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعةَ، وتخصيصُ الصبر بما ذكر من بين الصلاتِ السابقةِ لما قدّمناه من أن له دخلًا في كل منها ومزيةً زائدةً من حيث إنه ملاكُ الأمر في كل منها وأن شيئًا منها لا يعتد به إلا بأن يكون لابتغاء وجهِ الربّ تعالى وتقدس: {فَنِعْمَ عقبى الدار} أي فنعم عقبي الدارِ الجنةُ، وقرئ بفتح النون والأصل نَعَم فسُكّن العين بنقل حركتها إلى النون تارة وبدونه أخرى.
وعن النبي عليه السلام أنه كان يأتي قبورَ الشهداء على رأس كلّ حولٍ فيقول: {سلامٌ عليكم بما صبرتُم فنَعِمَ عُقبى الدَّارِ} وكذا عن الخلفاء الأربعةِ رضوانُ الله عليهم أجمعين. اهـ.